يحفظ ذاكرة المدينة.. عبد اللطيف آخر الحلاقين القدامى في الطبقة السورية

يحفظ ذاكرة المدينة.. عبد اللطيف آخر الحلاقين القدامى في الطبقة السورية
عبد اللطيف الكاظم

في زاوية هادئة من مدينة الطبقة السورية، يفتح عبد اللطيف الكاظم باب صالونه المتواضع كل صباح. بيدين أرهقتهما السنين، يزيح ستارة صغيرة، ويدير مذياعًا عتيقًا يعود معه إلى ثلاثة عقود مضت. 

يجلس الكاظم، خلف كرسي الحلاقة الحديدي الذي فقد بريقه، لكنه ما زال يحتفظ بذاكرة عشرات الوجوه التي عبرت أمامه منذ أكثر من أربعين عامًا، بحسب ما ذكرت وكالة “هاوار”، اليوم الثلاثاء.

للمارة، يبدو المكان أشبه بقطعة محفوظة من زمن مضى؛ جدران باهتة، أدوات معدنية قديمة، ومذياع يبث موسيقى الأمس، في حين يجلس الحلاق السبعيني في قلب المكان حارساً لذاكرة مدينة كاملة.

بداية الحكاية

وُلد الكاظم عام 1950 في مدينة منبج لعائلة تركمانية، وتعلّم الحلاقة عام 1961 على يد خاله في مدينة دوما بريف دمشق. يتذكر بداياته بابتسامة خفيفة:

يقول: “كنت أتقاضى ربع ليرة في الأسبوع، ثم سبعة فرنكات.. سعادتي كانت لا توصف عندما يمنحني بعض الزبائن فرنكين إضافيين لأهوّي عليهم قبل دخول المراوح إلى المحلات”.

في عام 1980، استقر في مدينة الطبقة وافتتح صالونه الأول في حي الوادي، قبل أن ينتقل إلى موقعه الحالي الذي ما زال يفتحه حتى اليوم، رغم ضعف بصره وتراجع صحته.

ذاكرة المهنة

اليوم، أصبح الكاظم آخر حلاق من جيله في المدينة. زبائنه الأوفياء هم من رافقوه منذ عقود، في حين يتردد بعض الشباب إلى محله فقط بدافع الفضول أو لاستعادة ذكريات آبائهم الذين جلسوا على كرسيه ذاته قبل سنوات طويلة.

"جيل اليوم لا يعرف الحلاقة كما كانت"، يقول بحسرة، مضيفاً: "أصبحت قصات غريبة وموضات عابرة، نحن كنا نعتمد على الذوق والدقة، أما الآن فكل همّهم المال".

ما يميز صالونه ليس فقط قدمه، بل روح المكان.. هنا، لا تزال الأدوات المعدنية من سبعينيات القرن الماضي في الخدمة، يرفض الكاظم استبدالها بمقصات حديثة. 

بجانبه يقف مذياعه البيلاروسي الذي لا يخونه صباحًا، يبث أنغامًا قديمة يحنّ إليها كما يحنّ إلى زبائنه الغائبين.

صمود رغم التعب

على الرغم من تراجع بصره فإنه لم يتوقف عن العمل. وإن اضطر أحيانًا لبيع أقراص "المعروك" على دراجته الهوائية لتأمين لقمة العيش، فسرعان ما يعود إلى صالونه، إلى الكرسي والمرايا، حيث يشعر أنه أكثر من مجرد حلاق.

"بعض زبائني يأتون إلي منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وإن مرض أحدهم أذهب إليه في بيته، ما أقدمه ليس مجرد حلاقة، بل علاقة إنسانية عمرها عمر هذه المهنة".

صالون عبد اللطيف الكاظم لم يعد مجرد مكان لقص الشعر، بل متحف حيّ لذاكرة مدينة الطبقة، صور قديمة، مرايا تحمل انعكاسات وجوه رحلت، وأدوات صمدت أمام الحداثة.

في زمن يغيب فيه الحرفيون واحدًا تلو الآخر، ويذوب التراث المهني في عجل الحداثة، يظل الكاظم آخر حارس لذاكرة الحلاقة، وآخر الحكايات التي تُروى بشفرة وفاء وصبر طويل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية